فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8)}.
الناس في الحياة الدنيا على ثلاثة أحوال: إما مؤمن، وإما كافر، وإما منافق.
والله سبحانه وتعالى في بداية القرآن الكريم في سورة البقرة.. أراد أن يعطينا وصف البشر جميعا بالنسبة للمنهج وأنهم ثلاث فئات: الفئة الأولى هم المؤمنون، عَرَّفنا الله سبحانه وتعالى صفاتهم في ثلاث آيات، في قوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُوْلَائِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
والفئة الثانية هم الكفار، وعرفنا الله سبحانه وتعالى صفاتهم في آيتين في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ}.
وجاء للمنافقين فعرف صفاتهم في ثلاث عشرة آية متتابعة، لماذا..؟ لخطورتهم على الدين، فالذي يهدم الدين هو المنافق، أما الكافر فنحن نتقيه ونحذره، لأنه يعلن كفره.
إن المنافق، يتظاهر أمامك بالإيمان، ولكنه يبطن الشر والكفر، وقد تحسبه مؤمنا، فتطلعه على أسرارك، فيتخذها سلاحا لطعن الدين.. وقد خلق الله في الإنسان ملكات متعددة، ولكن يعيش الإنسان في سلام مع نفسه، لابد أن تكون ملكاته منسجمة وغير متناقضة.
فالمؤمن ملكاته منسجمة، لأنه اعتقد بقلبه في الإيمان ونطق لسانه بما يعتقد، فلا تناقض بين ملكاته أبدًا.
والكافر قد يقال إنه يعيش في سلام مع نفسه، فقد رفض الإيمان وأنكره بقلبه ولسانه وينطق بذلك، ولكن الذي فقد السلام مع ملكاته هو المنافق، أنه فقد السلام مع مجتمعه وفقد السلام مع نفسه، فهو يقول بلسانه، ما لا يعتقد قلبه، يظهر غير ما يبطن، ويقول غير ما يعتقد، ويخشى أن يكشفه الناس، فيعيش في خوف عميق، وهو يعتقد أن ذلك شيء مؤقت سينتهي.
ولكن هذا التناقض يبقى معه إلى آخر يوم له في الدنيا، ثم ينتقل معه إلى الآخرة، فينقض عليه، ليقوده إلى النار، واقرأ قوله تبارك وتعالى: {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُواْ أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [فصلت: 20- 21].
إذن كل ملكاتهم انقضت عليهم في الآخرة، فالسلام الذي كانوا يتمنونه لم يحققوه لا في حياتهم ولا في آخرتهم، فلسان المنافق يشهد عليه، ويداه تشهدان عليه، ورجلاه تشهدان عليه، والجلود تشهد عليه، فماذا بقي له؟
بينه وبين ربه تناقض، وبينه وبين نفسه تناقض، وبينه وبين مجتمعه تناقض، وبينه وبين آخرته تناقض. وبينه وبين الكافرين تناقض. يقول لسانه ما ليس في قلبه، وبماذا وصف الحق سبحانه وتعالى المنافقين؟ قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 8].
هذه أول صفات المنافقين في القرآن الكريم، يعلنون الإيمان وفي قلوبهم الكفر، ولذلك فإن إيمانهم كله تظاهر، إذا ذهبوا للصلاة لا تكتب لهم، لأنهم يتظاهرون بها، ولا يؤدونها عن إيمان، وإذا أدوا الزكاة، فإنها تكون عليهم حسرة، لأنهم ينفقونها وهم لها كارهون، لأنها في زعمهم نقص من مالهم. لا يأخذون عليها ثوابا في الآخرة، وإذا قتل واحد منهم في غزوة، انتابهم الحزن، والأسى، لأنهم أهدروا حياتهم ولم يقدموها في سبيل الله.
وهكذا يكون كل ما يفعلونه شقاء بالنسبة لهم.
أما المؤمن فحين يصلي أو يؤدي الزكاة أو يستشهد في سبيل الله فهو يرجو الجنة، وأما المنافقون فإنهم يفعلون كل هذا، وهم لا يرجون شيئا.. فكأنهم بنفاقهم قد حكم عليهم الله سبحانه وتعالى بالشقاء في الدنيا والآخرة، فلا هم في الدنيا لهم متعة المؤمن فيما يفعل في سبيل الله، ولا هم في الآخرة لهم ثواب المؤمن فيما يرجو من الله. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8)}.
أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين} يعني المنافقين من الأوس والخزرج، ومن كان على أمرهم.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس. أن صدر سورة البقرة إلى المائة منها. هي في رجال سماهم بأعيانهم وأنسابهم من أحبار يهود، ومن المنافقين من الأوس والخزرج.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين} قال: المراد بهذه الآية المنافقون.
وأخرج عبد الرزاق وابن جريرعن قتادة في قوله: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر} حتى بلغ {وما كانوا مهتدين} قال: هذه في المنافقين.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {ومن الناس من يقول آمنا بالله} الآية. قال: هذا نعت المنافق. نعت عبدًا خائن السريرة، كثير الأخلاف، يعرف بلسانه، وينكر بقلبه، ويصدق بلسانه، ويخالف بعمله، ويصبح على حال، ويمسي على غيره، ويتكفأ تكفؤ السفينة، كلما هبت ريح هب فيها.
وأخرج ابن المنذر عن محمد بن سيرين قال: لم يكن عندهم شيء أخوف من هذه الآية: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين}.
وأخرج عبد بن حميد عن يحيى بن عتيق قال: كان محمد يتلو هذه الآية عند ذكر الحجاج ويقول: أنا لغير ذلك أخوف {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين}.
وأخرج ابن سعد عن أبي يحيى قال سأل رجل حذيفة وأنا عنده فقال: ما النفاق؟ قال: أن تتكلم باللسان، ولا تعمل به. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{من الناس} خبر مقدم، و{من يقول} مبتدأ مؤخر، و{من} تحتمل أن تكون موصولة، أو نكرة موصوفة أي: الذي يقول، أو فريق يقول، فالجملة على الأول لا محل لها؛ لكونها صلة، وعلى الثاني محلها الرفع؛ لكونها صفة للمبتدأ.
واستضعف أبو البقاء أن تَكُونَ موصولة، قال: لأن {الذي} يتناول قومًا بأعيانهم، والمعنى هنا على الإبهام.
وهذا منه غير مسلم؛ لأنّ المنقول أنّ الآية نزلت في قوم بأعيانهم كعبد الله بن أبي ورهطه.
وقال الزمخشري: إن كانت أل للجنس كانت {من} نكرة موصوفة كقوله: {مِّنَ المؤمنين رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ الله} [الأحزاب: 23].
وإن كانت للعَهْد كانت موصولة، وكأن قصد مناسبة الجنس للجنس، والعهد للعهد، إلا أن هذا الذي قاله غير لازم، بل يجوز أن تكون أل للجنس، وتكون من موصولة، وللعهد، ومن نكرة موصوفة.
وزعم الكِسَائِيّ أنها لا تكون نكرة إلاّ في موضع تختص به النكرة؛ كقوله: الرمل:
رُبَّ مَنْ أَنْضَجْتُ غَيْظًا صَدْرَهُ ** لَوْ تَمَنَّى لِيَ مَوْتًا لَمْ يُطِعْ

وهذا الذي قاله هو الأكثر، إلا أنها قد جاءت في موضع لا تختصّ به النكرة؛ قال: الكامل:
فَكَفَى بِنَا فَضْلًا عَلَى مَنْ غَيْرَنا

ومن تكون موصولة، ونكرة موصوفة، أو زائدة؟ فيه خلاف.
واستدل الكسَائي على زيادتها بقول عنترة: الكامل:
يَا شَاةَ منْ قَنَصٍ لِمَنْ حَلَّتْ لَهُ ** حَرُمَتْ عَلَيَّ وَلَيْتَهَا لَمْ تَحْرُمِ

ولا دليل فيه، لجواز أن تكون موصوفة بقَنَصٍ إما على المبالغة، أو على حذف مضاف، وتصلح للتثنية والجمع الواحد.
فالواحد كقوله: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} [الأنعام: 25] والجمع كقوله: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} [يونس: 42]، والسبب فيه أنه موحّد اللفظ مجموع المعنى.
و{من} في {من الناس} للتبعيض، وقد زعم قومٌ أنها لِلْبَيَانِ وهو غَلَطٌ؛ لعدم تقدم ما يتبين بها.
و{النَّاس} اسم جمع لا واحد له من لَفْظِهَ، ويرادفه أَنَاسِيّ جمع إنسان أو إنسي، وهو حقيقة في الآدميين، ويطلق على الجِنّ مجازًا.
واختلف النحويون في اشتقاقه: فمذهب سيبويه والفراء أن أصله همزة ونون وسين، والأصل: أناس اشتقاقًا من الأُنس، قال: الطويل:
وَمَا سُمِّيَ الإِنْسَانُ إِلاَّ لأُنْسِهِ ** وَلاَ القَلْبُ إِلاَّ أَنَّهُ يَتَقَلَّبُ

لأنه أنس بحواء.
وقيل: بل أنس بربه ثم حذفت الهمزة تخفيفًا؛ يدلّ على ذلك قوله: الكامل:
إِنَّ الْمَنَايَا يَطَّلِعْـ ** ـنَ عَلَى الأُنَاسِ الآمِنِينَا

وقال آخر: الطويل:
وَكُلُّ أُنَاسٍ قَارَبُوا قَيْدَ فَحْلِهِمْ ** وَنَحْنُ خَلَعْنَا قَيْدَهُ فَهُوَ سَارِبُ

وقال آخر: الطويل:
وَكُلُّ أُنَاسٍ سَوْفَ تَدْخُلُ بَيْنَهُمْ ** دُوَيْهِيَةٌ تَصْفَرُّ مِنْهَا الأَنَامِلُ

وذهب الكسائي إلى أنه من نون وواو وسين والأصل: نوس فقلبت الواو ألفًا لتحركها، وانفتاح ما قبلها، والنَّوسُ: الحركة.
وذهب بعضهم إلى أنه من نون وسين وياء، والأصل نسي، ثم قلبت اللام إلى موضع العين، فصار: نيس ثم قلبت الياء ألفًا لما تقدم في نوس، قال: سموا بذلك لنسيانهم؛ ومنه الإنسان لنسيانه؛ قال: البسيط:
فَإِنْ نَسِيتَ عُهُودًا مِنْكَ سَالِفةً ** فَاغْفِرْ فَأَوَّلُ نَاسٍ أَوَّلُ النَّاسِ

ومثله: الكامل:
لا تَنْسَيَنْ تِلْكَ الْعُهُودَ فَإِنَّمَا ** سُمِّيتَ إِنْسَانًا لإِنَّكَ نَاسِي

فوزنه على القول الأول: عَال، وعلى الثاني: فَعَلٌ، وعلى الثالث: فَلَعٌ بالقَلْبِ.
ويقول: فعل مضارع، وفاعله ضمير عائد على: من.
والقول حقيقةً: اللفظ الموضوعُ لمعنى، ويطلق على اللَّفْظِ الدَّال على النسبة الإسنادية، وعلى الكلام النَّفساني أيضًا، قال تعالى: {وَيَقُولُونَ في أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا الله بِمَا نَقُولُ} [المجادلة: 8].
وتراكيبه السّتة وهي: القول، واللوق والوقل، والقلو، واللّقو، والولق تدل على الخفّة والسرعة، وإن اختصت بعض هذه المواد بمعانٍ أخر.
والقول أصل تعديته لواحد نحو: قُلْتُ خطبة، وتحكي بعده الجمل، وتكون في محل نصب مفعولًا بها، إلا أن يُضَمَّنَ معنى الظن، فيعمل عمله بشروط عند غير بني سُلَيْمٍ؛ كقوله: الرجز:
مَتَى تَقُولُ الْقُلُصَ الرَّوَاسِمَا ** يُدْنِينَ أُمَّ قَاسِمٍ وقَاسِمَا

وبغير شرط عندهم، كقوله: الرجز:
قَالَتْ وَكُنْتُ رَجُلًا فَطِينَا ** هَذَا لَعَمْرُ اللهِ إِسْرَائِينَا

و{آمنا} فعل وفاعل، و{بالله} متعلّق به، والجملة في محلّ نصب بالقول، وكررت الباء في قوله: {وباليوم} للمعنى المتقدّم في قوله: {وعلى سَمْعِهِمْ وعلى أَبْصَارِهِمْ} [البقرة: 7].
فإن قيل: الخبر لابد وأن يفيد غير ما أفاد المبتدأ، ومعلوم أنّ الذي يقول كذا هو من الناس لا من غيرهم؟
فالجواب: أنّ هذا تفصيل معنوي، لأنه تقدّم ذكر المؤمنين، ثم ذكر الكَافرين، ثم عقب بذكر المُنافقين، فصار نظير التَّفصيل اللَّفظي، نحو قوله: {وَمِنَ الناس مَن يُعْجِبُكَ} [البقرة: 204]، {وَمِنَ الناس مَن يَشْتَرِي} [لقمان: 6]، فهو في قوّة تفصيل النَّاس إلى مؤمن، وكافر، ومنافق.
وأحسن من هذا أن يقال: إنَّ الخبر أفاد التَّبعيض المقصود؛ لأنَّ النَّاس كلهم لم يقولوا ذلك، وهم غير مؤمنين، فصار التقدير: وبعض الناس يقول كَيْتَ وكَيْت.
واعلم أن {من} وأخواتها لها لفظ ومعنى، فلفظها مفرد مذكر، فإن أريد بها غير ذلك، فَلَكَ أن تراعي لفظها مَرّة، ومعناها أخرى، فتقول: جاء مَنْ قام وقعدوا، والآية الكريمة كذلك روعي اللفظ أولًا فقيل: {من يقول} والمعنى ثانيًا في {آمنا}.
وقال ابن عطية: حسن ذلك؛ لأن الواحد قبل الجمع في الرتبة، ولا يجوز أن يرجع متكلّم من لفظ جمع إلى توحيد.
فلو قلت: ومن الناس من يقومون وتتكلّم لم يجز.
وفي عبارة ابن عطية نظر، وذلك لأنّه منه مِنْ مُرَاعاة اللَّفظ بعد مُرَاعاة المعنى، وذلك جائز، إلاَّ أن مراعاة اللّفظ أولًا أولى، يرد عليه قول الشَّاعر: الخفيف.
لَسْتُ مِمَّنْ يَكُعُّ أَوْ يَسْتَكِينُو ** نَ إِذَاَ كَافَحَتْهُ خَيْلُ الأَعَادِي

وقال تعالى: {وَمَن يُؤْمِن بالله وَيَعْمَلْ} [الطلاق: 11] إلى أن قال: {خَالِدين} فراعى المعنى، ثم قال: {قَدْ أَحْسَنَ الله له رِزْقًا} فراعى اللفظ بعد مُرَاعاة المعنى، وكذا راعى المعنى في قوله: أو يستكينون، ثم راعى اللفظ في: إذا كافحته، وهذا الحمل جاز فيها من جميع أحوالها، أعني من كونها موصولة وشرطية، واستفهامية.
أما إذا كانت موصوفة فقال الشيخ أثير الدين أبو حَيّان: ليس في محفوظي من كلام العرب مُرَاعاة المعنى يعني فتقول: مررت بمن محسنون لك.
و{الآخر} صفة لاليوم، وهذا مقابل الأوّل، ومعنى اليوم الآخر: أي عن الأوقات المحدودة.
ويجوز أن يُرَاد به الوقت الَّذي لا حَدّ له، وهو الأبد القائم الذي لا انقطاع له، والمراد بالأخر: يوم القيامة.
{وما هم بمؤمنين} {ما} نافية، ويحتمل أن تكون هي الحِجَازية، فترفع الاسم وتنصب الخبر، فيكون {هم} اسمها، و{بمؤمنين} خبرها، والباء زائدة تأكيدًا.
وأن تكون التَّمِيْمِيّة، فلا تعمل شيئًا، فيكون {هم} مبتدأ، و{بمؤمنين} الخبر، والباء زائدة أيضًا.
وزعم أبو علي الفَارِسِيّ، وتبعه الزمخشري أن الباء لا تزاد في خبرها إلاّ إذا كانت عاملة، وهذا مردود بقول الفَرَزْدَقِ، وهو تميمي: الطويل:
لَعَمْرُكَ مَا مَعْنٌ بِتَارِكِ حَقِّهِ ** وَلاَ مُنْسِئ مَعْنٌ وَلاَ مُتَيَسِّرُ

إلا أنّ المختار في ما أن تكون حِجَازية؛ لأنه لما سقطت الباء صرح بالنصب قال الله تعالى: {مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} [المجادلة: 2] {مَا هذا بَشَرًا} [يوسف: 31]، وأكثر لغة الحجاز زيادة الباء في خبرها، حتى زعم بعضهم أنه لم يحفظه النصب في غير القرآن، إلاّ قول الشاعر: الكامل:
وَأَنَا النَّذِيرُ بِحَرَّةٍ مُسْوَدَّةٍ ** تَصِلُ الْجُيوشُ إِلَيْكُمُ أَقْوَادَهَا

أَبْنَاؤُهَا مُتَكَنِّفُونَ أَبَاهُمُ ** حَنِقُو الصُّدُورِ وَمَا هُمُ أَوْلاَدَهَا

وأتى الضمير في قوله: {وما هم بمؤمنين} جمعًا اعتبارًا للمعنى كما تقدّم في قوله: {آمنا}.
فإن قيل: لم أتي بخبر ما اسم فاعل غير مقيّد بزمان، ولم يؤت بعدها بجملة فعلية حتى يطابق قولهم: آمنّا: فيقال: وما آمنوا؟
فالجواب: أنه عدل عن ذلك ليفيد أن الإيمان منتف عنهم في جميع الأوقات، فلو أتى به مطابقًا لقولهم: آمنا فقال: وما آمنوا لكأن يكون نفيًا للإيمان في الزمن الماضي فقط، والمراد النَّفي مطلقًا أي: أنهم ليسوا ملتبسين بشيء من الإيمان في وقتٍ من الأوقات. اهـ.